رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

من 1952 وحتى الآن.. إعادة اختراع الفلاح المصري.. طفرة غير مسبوقة في زمن «ناصر».. تأرجح في عهد السادات بسبب سياسة الانفتاح.. وارتباك خلال حكم «مبارك» يطيح بأي إنجاز

قسم : ملفات
الإثنين, 23 سبتمبر 2019 11:57
كان الفلاح المصري، أحد أهم الأسباب الرئيسية التي اندلعت من خلفها ثورة 1952، وسواء كان شعارًا لتبرير تدمير عرش الملكية، وإزاحتها عن السلطة، أم حقيقة موضوعية على الأرض، لا يمكن تجاوز حالة الرضا والولاء التام التي ربطت بين الفلاح المصري والزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بسبب قوانين ثورية وضعتهم في مكان آخر، على رأسها «الإصلاح الزراعي» الذي أصبح عيدا رسميًا للفلاح، يحتفل به في 9 سبتمبر من كل عام.

إنصاف الفلاحين
«ناصر» كان ينشد العدالة والإنصاف للفلاحين والطبقة المهمشة الكادحة، وكان ينفر من سيطرة الإقطاعيين وطبقة المحتكرين للأراضي الزراعية، لذا أصدر قوانين الإصلاح الزراعي، وأعاد توزيع ملكية الأراضي الزراعية من يد الإقطاع إلى صغار الفلاحين، وأنشأ جمعيات الإصلاح الزراعي، والهيئة العامة للإصلاح الزراعي، وكانت الخلفية الفكرية للرئيس وزملائه من ضباط يوليو، الذين آمنوا بالاشتراكية، ووضعوها شعارًا للحكم، فإنصاف الكادحين والعمال والفلاحين، والقضاء على الفجوات الشرسة بين الطبقات، كطريق لعمل مساواة مثالية بين مختلف طبقات وفئات الشعب، كان جل أهداف ثورة 1952.

أي قراءة موضوعية، لسر ارتباط الأجيال القديمة من الفلاحين بهذا الأمر، ستوفر خيالا كافيا عن أوضاع صعبة عاشها الفلاح خلال عهد الملكية، التي يحلو للبعض الآن التعامل معها وكأنها كانت واحة للرفاهية لجميع المصريين، وهي بالطبع ليست كذلك، كما لم تكن سلخانة للفقراء والمهمشين كما يصورها غلاة الناصرية، في النهاية شعر الفلاح البسيط تحديدا بأهداف تتحقق على أرض الواقع، وتنعكس على مستواه المادي والاجتماعي، واستردت له كرامة، لم تكن تتوفر له، وهو يعمل في خدمة أملاك الباشوات وأمراء السرايات، وبقايا الإقطاع.

الإصلاح الزراعي
عبد الناصر اعتمد في سن قانون الإصلاح الزراعي، على مبدأ استمده من جذور فلسفة الاشتراكية، التي ترى أن الأرض حق لمن يزرعها، وقرر منح كل فلاح خمسة أفدنة من أملاك العائلات الملكية، التي لم يعد يحق لها بعد إقرار قانون الإصلاح، إلا الاستحواذ على مائة فدان فقط، وهي عدالة عبد الناصر، لنصرة الضعفاء والفقراء من أبناء الشعب، خاصة أنهم كانوا الأغلبية العظمى في البلاد.

في اتجاه موازٍ، يمكن تلخيص أبرز ما قيل في نقد هذه الحقبة، ضمن بحث قدمه المؤرخ مدحت عبد الرازق، بعنوان التحول الاشتراكي في مصر وأثره على نواحي الحياة العامة، يرى فيه عبد الرازق أن عبد الناصر قدم مشروعه، وهو يتكئ على قدمين، واحدة تجنح للاشتراكية والأخرى للقومية العربية، تارة يلجأ للأمريكان، وأخرى مع السوفييت، فلا هو قدم اشتراكية كاملة، تفتعل صراعا طبقيا بين أبناء الأمة، ولا قدم قومية تنحاز إلى سن خطوط تعايش وتكافل بين الجميع.

السادات
وبعد رحيل عبد الناصر، ومجيء السادات للحكم، تبنى له أوتادًا في الحكم مع الإسلاميين لضرب الناصرية والمد الشيوعي فقط، وعاند سياسة الإصلاح الزراعي، التي كان جزءا منها باعتباره نائب عبد الناصر، وأحد قيادات يوليو، وأصدر مع العام الأول له في الحكم عام 1971، قانونا يقضي بدفع تعويضات إضافية لكبار الملاك، عمّا فقدوه من أراضٍ إثر تطبيق الإصلاح.

ولم يكتف بهذا القرار في رحلة ارتداده عن سياسة الإصلاح الزراعي، فلجأ عام 1974، لتثبيث سياسة الانفتاح التي أطلقها على الحياة المصرية، وحتى تستقر كان يجب إلغاء وصاية الدولة على الأراضي الزراعية غير المملوكة، وتسليمها للملاك مع إخلاء الأراضي من المزارعين الذين كانوا يحوزونها بالإيجار من الدولة بشكل تدريجي، وبدأت الدولة تطارد الفلاحين المستأجرين للأراضي، الذين تعثروا في السداد لمدة شهرين فقط عن دفع الإيجار، وفق قانون أقره البرلمان لذلك خصيصا عام 1975.

معارضو السادات، من أنصار الناصرية على وجه الخصوص، يقدمون نقدهم الشرس لخليفة زعيمهم، ويعتبرون جملة هذه القرارات الارتدادية، لم تكن قرارات الرئيس، بقدر ما هي تدخلات خارجية سمح بها في مجالات عدة، منها الشأن الزراعي، ويرجعون هذا القرار تحديدًا لتقرير بعثة رئاسية أمريكية لمصر، أكدت أن النظام التعاوني الزراعي المصري مصاب بأمراض عدة وخلل يجب تداركه.

وبالفعل لم يترك السادات التوصية تمر هباء، وأصدر قراره عام 1976، بحل الاتحاد التعاوني المركزي، الذي أسسه ناصر لمساندة الفلاح وتوفير مستلزماته من بذور وأسمدة ومقويات بأسعار مدعومة من الدولة، وكانت تتولى أيضا مهمة تسويق محاصيله الزراعية حمايةً له من استغلال التجار والسماسرة، وهكذا ذبح السادات الحركة التعاونية الزراعية، التي كانت تضم في عضويتها ما يقرب من 3 ملايين فلاح، إيذانا بنهاية علاقتهم مع الدولة على الطريقة الناصرية.

التنمية والائتمان
دعم السادات بنك التنمية والائتمان وفروعه في القرى، وحرر سعر الفائدة على قروض مالية قدمها للمزارعين، وبدلا من اللجان المحلية المتخصصة، التي كانت تتولى شئون فض النزاعات حول الأراضي الزراعية، أحالها للقضاء العادي، وبهذا قلل من دور الدولة في التدخل في شئون الزراعة والفلاح، ولكن مع الوقت وجدت الدولة نفسها تعتمد على استيراد الحبوب، وتدهور الميزان التجاري الزراعي، وانخفضت معدلات الاستثمار في الزراعة.

مبارك
بعد استشهاد السادات، لم يجد مبارك القادم من نفس الخلفية أي مشكلة في السير على خطى سياسات التحرير الاقتصادي والزراعي، وتشجيع الاستثمار ورأس المال الخاص، ولكن حدث خلل كبير في طريقة إدارة مبارك للملف، بسبب الضغوط الشرسة التي مارسها عليه صندوق النقد الدولي، وفاء لقرضين حصلت عليهما مصر في بداية التسعينيات، فوجد نفسه مجبرًا على انتهاج سياسات تستهدف خفض دعم الإنتاج الزراعي من البذور والأسمدة، مع الاستمرار في القضاء على ما تبقى من الفكر التعاوني.

ودعم مبارك بالفعل مسار صندوق النقد، وقدم مساندة كبيرة لبنك التنمية الزراعية، الذي أصبح وجهة الفلاحين الرئيسية، ولكن عبر الاستعانة بالقروض، ويمكن القول إن مبارك تبنى سياسات شبه ليبرالية، لتشجيع الملكية الخاصة من أجل التصدير، ولذلك سن قانون 1992، لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وأحدث ضجة كبرى بسبب تقليص الحيازات الصغيرة، بجانب تأمين خصخصة الأراضي المملوكة للشركات الزراعية الحكومية.

بينما لم يمنحه التخبط والفساد، والتأرجح بين السياسات الليبرالية والاشتراكية النتيجة المرجوة من مشروعات استصلاح الأراضي التي بدأت بمليون فدان، لزراعة محاصيل تصديرية، بعدما سيطر عليها كبار رجال نظامه، وجاءت في النهاية لتنهي على صغار المزارعين، إلى 47.2 وعادت النخب وكبار الملاك للاستئثار بالزراعة، وبحلول عام 2000، كان 1.1 % من المصريين يستحوذون 50% من المساحة الزراعية للبلاد، واستمر التدهور حتى نهاية عهد في 2011.

Rochen Web Hosting