رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

أغار من قلبي

قسم : مقالات
الخميس, 08 ديسمبر 2022 12:58

اكتشفت وتأكدت وأيقنت وتعجّبت من أننى أغار من قلبى! وقبل أن يسأل من يقرأ تلك الكلمات كيف ولماذا؟ أوضح وأعترف أننى أغار من كل ذلك الحب داخله وكل الحنين والأشواق لمن تركونى أو ابتعدوا مرغمين أو بكامل اختياراتهم.

أغار من قدراته العالية على الاحتواء والغفران وتبرير الأخطاء للغير والسهو والنسيان ومنحهم فرصة تلو أخرى دون غضب أو عتاب أو دموع، وأغار من تلك الموهبة التى منحها الله له أن يُسعد نفسه بسعادة الآخرين ويمارس طقوسها ويندمج وتختلط مشاعره معهم وردود فعله وكأنه يتقمّص تلك الشخصيات وينسلخ عن الواقع تماماً.

أغار وأتعجب وأندهش من تلك السعادة والنشوى التى يعيشها عندما يستمع إلى أغانٍ تحمل له ذكريات وصوراً وحنيناً وتعيد شريط ذكرياته سنوات وسنوات ويقفز معها راقصاً وكأن عجلة الأيام والسنين توقفت تماماً ولم تسرق منه الشباب، ولا أضافت لعمره أرقاماً.

ومع الغيرة من ذلك القلب أؤكد إعجابى بتلك القدرة التى يملكها ويمارسها بنجاح عندما تندفع آهاته ودقاته ونغماته وآلامه وقصص حبه ونجاحاته وإخفاقاته فى صورة كلمات مرصوصة مرتبة مفهومة تحمل تجاربه وحكاياته.

أغار من قلبى عندما أراه يدفع بدموعى حباً وخوفاً على أحبائى واعتراضاً على آلامهم رغم محاولات التماسك والإخفاء التى أبذلها، وأحاول أن أعرف لأى فئة من القلوب ينتمى ومن أى الجينات تكونت صفاته وحصل على قدراته؟ ووسط أوراق علماء النفس والباحثين وجدت أن هناك مشروعاً كبيراً بدأ فى جامعة كاليفورنيا فى الولايات المتحدة الأمريكية استمر عدة سنوات وانتهى عام ٢٠٠٣ تم خلاله استحداث التقنيات الجزئية التى تساعد فى قراءة وتتبّع الطفرات الجينية المسئولة عن الصفات والسمات الإنسانية، وما النسب والاحتمالات الممكنة لتوريث أو اكتساب صفة أو حتى مرض معين على مستوى الفرد الواحد؟ أثبتت الأبحاث أن كثيراً من الصفات والسمات السلوكية البشرية، بما فيها الاجتماعية يتأثر وراثياً ولا يمكن توجيهها بشكل كامل لأسباب بيئية من خلال اكتساب عادات من التنشئة.

وهو ما جعل علماء النفس يؤكدون أنه إذا افترضنا أن الصفات والسمات هى نتيجة الجينات الوراثية، فإن ذلك يعنى أن شخصياتنا ستتشكل فى وقت مبكر من حياتنا، وسيكون من الصعب تغييرها، أما إذا كانت نتيجة التنشئة والبيئة المحيطة، فستلعب التجارب والمواقف التى نمر بها خلال حياتنا دوراً كبيراً فى تشكيلها، وهذا ما يُكسبنا المرونة اللازمة للتغيير والتعديل واكتساب بعض الصفات الجديدة .

ويبدو أن فهم الشخصية البشرية قد حار فيها الفلاسفة والعلماء لآلاف السنين، إذ جرى تناولها وفق الكثير من النظريات، أما على صعيد التعريف اللغوى فكلمة الشخصية (personality) باللغة الإنجليزية فهى مشتقة من كلمة (persona) لاتينية الأصل، والتى تعنى القناع الذى يلبسه الممثل فى العصور القديمة، ليقوم بتمثيل دور أو بغرض الظهور بمظهر معين أمام الناس، وذلك فى دلالة على أن الشخصية هى ما يُظهره الشخص فى مواقف الحياة.

ومع ذلك يميل علماء الوراثة السلوكية إلى الاعتقاد بأن الصفات والسمات والقلوب وما يعيش داخلها هو مزيج بين الوراثة والتنشئة والبيئة المحيطة، ويعتمدون فى ذلك على مجموعة من تقنيات البحث، خاصة إلى نتائج دراسات الأسرة والتوائم، ودراسات التبنّى، وذلك للتعرّف على التأثيرات الجينية والبيئية والتمييز بينها قدر المستطاع. ورغم كل ما قرأت ووجدت عن السمات والشخصيات والقلوب إلا أننى ما زلت أغار من قلبى. 

Rochen Web Hosting