رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

قلوب على الهواء

قسم : مقالات
الجمعة, 25 نوفمبر 2022 20:52

إذا كنت تحمل بين أضلعك قلب طفل صغير أو طائر مغرد فأنت دون شك تعيش على الهواء، فملامحك وتعبيرات وجهك ونظراتك وكلماتك وردود فعلك تحكى وتتكلم وتصرح وتنادى وتضحك بصوت عالٍ يبهج كل من يسمعه ويطربه ويظل يتردد فى أذنيه كلما أحس بالسعادة، بل ويصبح صداها هو الترجمة الحرفية لديه لمعنى الفرح والسعادة أو تبكى فى صمت مع كل حدث مؤلم يمر أمامك أو تعيشه مع المحيطين لأن جهاز استقبالك له أعلى الدرجات والقدرات، وعندما يتعرف المحيطون بك على ملكاتك تتحول فى حياتهم أيقونة الحب والنقاء والعطاء.

ولكن لا بد أن تعلم أن كل ما تستقبله وتسمعه وتشعر به ينقص من رصيد هدوئك النفسى ومن قدراتك الصحية، إلا أنك تتمتع بذلك النوع الفريد من العطاء.

فلمسة فوق رأس صغير أو ضحكة لعجوز أو مصافحة لعابر سبيل لا تعرفه وتلتقى به فى الطريق لأول مرة وتشعر بحاجته للشعور أن هناك من يراه ويسمعه ويشعر بوجوده هى سعادة لك لا يعرف أثرها على يومك وحياتك إلا من يشبهك.

وفى حالتك تلك الخاصة ومع هذا القلب النادر تعيش وكأنك تقوم ببث إلكترونى من أدق وأحدث وأعلى أجهزة البث التى توزع المحتوى الصوتى والفيديو على العالم كله متناثر الأبعاد والمسافات والقارات والتى تجذب الحواس السمعية والبصرية حولها بحثاً عما يشبع الفضول الإنسانى والرغبة فى المعرفة والتنصت والتلصص على الغير ومعرفة ما يدور خلف البحار والمحيطات وأسفل الطائرات وحول البواخر والمدمرات وداخل المبانى المصفحة الجدران والمعامل النووية والبيولوجية وداخل خزائن الذهب العملاقة التى تضم احتياطى الدول العظمى.

لكنك فى الحقيقة لا تبث أخباراً عالمية ولا صور ووقائع صراعات أو حروب أو كوارث طبيعية ودمار وضحايا عنف وتهجير قسرى وانهيارات جبلية وأخرى جليدية ومناجم تخرج المعادن النفيسة فوق أجساد الفقراء والمعدمين وأصحاب الكنوز الحقيقيين، بل تنشر وتوزع وتعلن وتشارك كل ما يخرج من القلوب النقية للمحيطين بك.

ويتعرض هذا القلب الذى لا يخفى شيئاً داخله ولا يخفى مشاعره ويعلن حبه أمام الجميع للكثير من الآلام والإحباطات لأنه اعتاد أن يسير بين الناس ويحلق فى الهواء جابراً للخواطر، ولعل تلك الصفات الراقية التى تجعل أصحابها يحملون داخلهم الزهر والورد وينبتون فى جروح الآخرين الود والحب حتى تلتئم هو ما توجههم ملوكاً فى عالم الأدباء والفلاسفة والشعراء فاعتاد العربى القديم أن يقول: (فى بعض القلوب عيون)، وقال عنهم أبوحامد الغزالى: (إن تأليف القلوب فن لا يجيده إلا القليل وإن قادته هم أهل القلوب السليمة والفطر النقية)، بينما أكد ابن تيمية: (القلوب آنية الله فى أرضه فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها)، بينما نصحت الكاتبة شيماء فاروق المحبين قائلة: (التعبير عن المشاعر راحة القلوب، فروحوا القلوب).

وأعلنها صراحة الشاعر أحمد شوقى أنها قلوب تطير فى الهواء وتسبح فى الفضاء الخارجى عندما قال: (تهرم القلوب كما تهرم الأبدان إلا قلوب الشعراء والشجعان)، وفى مقولة أخرى له فى حديث لحبيبه كتب: (قست القلوب فهل لقلبك يا حبيبى من يلينه؟)، بينما أكد الشمس التبريزى أنهم الخير فى الأرض وفى حياتنا فكتب عنهم: (سلاماً على الذين يزهرون القلوب إذا نزلوا بها وكأنهم فى بقاع الأرض أنهاراً)، ولأن الإنسانية على مر العصور ومختلف الثقافات تنفر وتهرب من قساة القلوب فقد قال ابن القيم: (خُلقت النار لإذابة القلوب القاسية).

ومن أجمل صفات وملامح تلك التى تحلق حولنا ما وصفه جبران خليل جبران حين قال: (إن القلوب العظيمة لا يمنعها حزنها من أن تغرد مع القلوب الفرحة السعيدة).

فهيا بنا نتجرد من القسوة والعنف ونفتح قلوبنا وأجنحتها لنحلق فى الهواء وننثر حول أحبتنا الجمال والعطاء.

Rochen Web Hosting