رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

إحياء البدن وإماتة العقل

قسم : مقالات
السبت, 24 أغسطس 2019 11:35

 بعد خروجه من البيت الكبير، اعتاد «أدهم»، كما يحكى نجيب محفوظ فى «أولاد حارتنا»، على بذل الجهد بالنهار، بحثاً عن القوت، ثم يخلو إلى نفسه بالليل، متأملاً فى الحياة التى عاينها بالنهار، والبشر الذين اختلط بهم ليخلص من ذلك إلى حكم كبرى، وأمثال شعبية ثرية وعميقة ونافذة فى تفسير حركة الحياة والأحياء، لم يكن «أدهم» متعلماً إلا أساسيات القراءة والحساب، لكن التأمل أكسبه نوعاً من الوعى كان يدفع كل من يطرق باب مصر من الأجانب والمستشرقين إلى التوقف أمام سمات عديدة فى هذه الشخصية العجيبة. عاش «أدهم» فى الخلاء، فى ظلال ثنائية الجسد المنهك، المشتاق باستمرار إلى الراحة والعقل المتأمل الجانح إلى طرح الأسئلة عن حكمة «الجبلاوى» فى الدفع بأبنائه إلى الشقاء، والسر فى سيطرة «الأدارسة» من أبناء أخيه المارق «إدريس» على مقدرات «الأداهم»، لم يؤمن فى لحظة أن العنف يمكن أن يكون أداة للخلاص. فقد علمته التجربة أن الضعفاء الذين كانوا ينادون بالعدل بالأمس، وأصبحوا غالبين اليوم، تحولوا إلى «أدارسة» جدد يقتاتون على العنف والظلم. إذاً لم يكن سكوت الأداهم على الظلم ضعفاً، بل حكمة مؤسسة على حقيقة أن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.

قلب حسن البنا هذه المعادلة، حين ضرب فضيلة التأمل وطرح الأسئلة داخل العقل الأدهمى، وأغرقه فى مجموعة من الشعارات والإجابات العامة على الأسئلة الكبرى التى أرّقته لعدة قرون، فـ«الإسلام هو الحل» إجابة جاهزة على سؤال: ما الحل؟. وكيف يمكن الوصول إلى هذا الحل؟: بتكوين الفرد المسلم، ثم الأسرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم، ثم الدولة. وهل نحن غير مسلمين؟

أنتم مسلمون بالاسم، لكنكم لا تفهمون الإسلام. فهم الإخوان للدين هو الفهم الوحيد الصحيح للدين!. أنتم أيضاً ترومون السلطة وتعدون العدة للانقضاض عليها. نريدها من أجل الدين.. وتريدون الدنيا من أجل الدين.

لم يكن أدهم قارئاً واعياً بتفاصيل التاريخ الإسلامى ليدرك أن الاستبداد كان أصلاً من أصول حكم بنى أمية وبنى العباس وبنى عثمان، كما كان أصلاً من أصول الحكم داخل العديد من التجارب خارج عالم المسلمين، وأن المسلمين انقسموا إلى عشرات الفرق والجماعات التى ادّعى كل منها امتلاك الفهم الحقيقى للإسلام. عدم اهتمام «الأداهم» بالتفاصيل جعلهم ينسون حكمتهم وتجربتهم مع من كانوا ينادون بالعدل بالأمس، ولما غلبوا غيرهم على أمرهم تحولوا إلى «أدارسة» جدد، وأن الانقسام فتنة، وأن الفتنة نائمة ملعون من أيقظها. كل ذلك أدى إلى وقوع «أدهم» فى شباك عموميات وشعارات حسن البنا، وانتهى به الأمر إلى تعطيل عقله تعطيلاً كاملاً والمبايعة على السمع والطاعة!.

تحددت مهام العقل الأدهمى داخل جماعة الإخوان فى الحفظ، حفظ الشعارات والأناشيد، والتعليمات والتكليفات، والإجابات الجاهزة المعلبة على الأسئلة. انصرف اهتمام «البنا» إلى تقوية الجسوم من خلال أنشطة الجوالة التى يصفها محمود عبدالحليم صاحب كتاب «أحداث صنعت التاريخ» بـ«شبه العسكرية». كانت الحركة هى الأساس لدى حسن البنا، أما الجدل القائم على التفكير فآفة لا بد أن يحاربها المريد فى نفسه. أصبح «الأداهم» أمام ثنائية عجيبة تتشكل من «إحياء البدن» و«إماتة العقل»!.

Rochen Web Hosting