رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

قلوب في الهواء

قسم : مقالات
الإثنين, 28 أغسطس 2023 12:56

إذا أحسست يوماً أنك تحلق فى الفضاء وتقترب من النجوم لتتحدث إليهم وتقص عليهم أجمل حكاية فى عمرك كله وتهمس لهم باسم الحبيب فيضحكون ويتهامسون فى خجل ويهربون منك إلى الفضاء خلف السحب ووسطها وأعلاها ويفرون بعيداً عنك لتطاردهم كلماتك وهمساتك ونداؤك للحبيب دون جدوى فاعلم أنك وصلت لأولى مراحل الإبداع الذى سيصل بك إلى قمته يوماً ما.

وللإبداع طريق طويل وقصص أطول وأعمق إلا أن كل هذه العناصر فى النهاية تندمج وتختلط ليتكون منها مخلوق جميل مؤثر يعيش وينعش المحيطين ويتغلغل بينهم ليذكرهم جميعاً دون تفرقة بالحبيب وكلماته وإيحاءاته ونظراته والأحلام المشتركة معه والأمنيات بالقرب والتلامس والاحتماء من قسوة الأقدار والأيام بين ذراعيه.

وإذا لم يسعدك الحظ لتكون من المبدعين الذين قال عنهم المؤلف الأيرلندى الشهير چورچ برنارد شو (إن الخيال هو بداية الإبداع، أنك تتخيل ما ترغب فيه وترغب فيما تتخيله وأخيراً تصنع ما ترغب فيه) فستكون من المتابعين المدققين، هؤلاء الذين يجلسون فى مقاعد المتفرجين ليستمتعوا بكل جميل وكل معبر ومعترف وهائم ومحلق فى سماء الفن ومغنى بالحب وللحب والباحث عن أدق التعبيرات التى يرسم بها ملامح الحبيب وعشرات النداءات والأسماء التى يمنحها له ويناديه بها.

ولأن قلوبنا تطير فى الهواء مع هؤلاء المبدعين بمختلف تخصصاتهم فترتفع أصواتنا مع موسيقاهم وكلماتهم فى حوار مع الحبيب وتتوقف حركة عيوننا فى ثبات مدهش مدقق متأمل أمام لوحاتهم وخطوطها المتشابكة وألوانها المنسجمة المندمجة وتتلهف كفوفنا على لمس تماثيلهم المنحوتة بإتقان وحب وتفرد مجسدة ما يتمنون إضافته لملامح الحبيب معبرة عن كلماته وأفكاره فإن الباحثين يؤكدون فى أوراقهم وجلساتهم حول المائدة المستديرة ودورياتهم المتخصصة أن الإبداع يعتمد على الخيال الذهنى وأن الخيال لا ينبع من فراغ إنما هو نشاط نفسى إيجابى يتفاعل مع النشاط الذهنى فتخرج منه ملكة واستعداد يولدان قدرة على إضافة أشياء جديدة ماهرة تحدد مقاربات الحياة.

والخيال هو ما يدفعنا إلى الأمام كبشر ويوسع عوالمنا ويجلب لنا أفكاراً جديدة واختراعات واكتشافات إلا اننا نختلف فيما بيننا بشكل كبير فى قدرتنا على التخيل. وفى الحياة أثبتت التجارب والنجاح والتألق فى عالم الفن بفروعه المختلفة أن الحب والمشاعر الدافئة والتجارب العاطفية وردود فعلنا المختلفة ومدى نقائها وسموها تلعب دوراً رئيسياً وإيجابياً فى أن يحمل أحدنا لقب مبدع أو فنان وأن يذوب وسط الأوراق والأقلام والألوان وأمام الكاميرات والشاشات ليصل أحياناً إلى منصات التكريم والمهرجانات العالمية وتنشر له الصور حاملاً شهادات الاعتراف به مبدعاً فنانا، وفى الحقيقة أن من يستحق هذا التكريم هو الحب والحبيب الذى ارتقى به وطار بقلبه فى الهواء، وجعله يرى المألوف بطريقة مختلفة ورتب أفكاره وأظهرها فى بناء جديد رسمه بريشته الخاصة بعد أن منحه طاقة مدهشة لفهم الواقع بطريقة مختلفة تماماً.. طريقة المحبين. وأن تلك التجربة الحياتية الرائعة التى يمكن تلخيصها فى جملة واحدة تقول إن الحب يدفع للفن وللإبداع والنجاح والسباحة فى الهواء.

يقول الفنان الكبير بابلو بيكاسو فى عبارته المأثورة (أتقن القواعد كمحترف حتى تتمكن من كسرها كفنان). وهذه الجملة هى الترجمة الدقيقة لما يذكر عن أن الإبداع هو طاقة عقلية هائلة فطرية فى أساسها اجتماعية فى نمائها مجتمعية إنسانية فى انتمائها، كما أنه القدرة على حل المشكلات بأساليب جديدة تعجب السامع والمشاهد.

ولعل أبسط وأدق إبداع سمعناه من فنان يؤكد دائماً للجميع أن ما يخرج منه ينبع من قلبه وحبهما قاله كاظم الساهر فى إحدى اغنياته التى كتبها ولحنها فى إحدى لحظات وحيه وإلهامه ندائه للحبيبة (يا أحلى نوبات جنونى) وتأكيده لها مرة أخرى أنها الإبداع الذى يعيشه (علمنى حبك أن أتصرف كالصبيان أن أرسم وجهك بالطبشور على الحيطان) فليبحث كل منا عن سبب حياته وإبداعه ليضعه وسط كلماته وأوراقه ويحتفظ به مع الخالدين.

Rochen Web Hosting