رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

تدهور المسرح المصرى ونقطة مضيئة فى مسرح الطليعة

قسم : مقالات
الأربعاء, 28 يونيو 2023 11:21

تربطنى بمسرح الطليعة ذكريات حميمة، حين كنت تلميذًا في كلية الطب في ستينيات القرن الماضى، كان المسرح المصرى في عنفوانه، وكان هناك مسرح صغير في العتبة بالقرب من دار الأوبرا القديمة، كان اسمه مسرح الطليعة، وبه قاعتان للعرض، واحدة نسبيًّا صغيرة، والأخرى صغيرة جدًّا، وكان هذا المسرح يعرض بعض المسرحيات العالمية بترجمة إلى العربية، وبعض المسرحيات المصرية. وتشجيعًا للطلاب، أصبح من الممكن أن تشترى بطاقة سنوية بمبلغ 2 جنيه، تسمح لك بالدخول طوال العام، وتدفع في كل مسرحية تذكرة ثمنها قرشان ونصف القرش، وهى الضريبة، وعلى ظهرها يُكتب رقم المقعد. في هذه الفترة كان ميدان العتبة وما حوله أماكن يمكن زيارتها والتجول فيها، وكان الوصول إلى المسرح سهلًا وبسيطًا، وكانت هناك بقايا من حديقة الأزبكية. الآن، في ميدان العتبة وما حول مسرح الطليعة هناك غابة كبيرة من الفرشات على الأرض تبيع من الإبرة إلى الصاروخ، والشوارع أصبحت مسدودة بهذا الكم من البائعين، وأصبح الوصول إلى المسرح إحدى المعجزات.

أذكر في تلك الأيام أن ذهبت مع صديق إلى مسرح الطليعة، وكان أحد الممثلين الشبان أحمد راتب، الذي أصبح ممثلًا شهيرًا بعد ذلك، وفى ذلك الوقت لم يكن يعرفه أحد، فانتظرناه خارج المسرح بعد العرض، وألقينا عليه التحية، وأبدينا إعجابنا بأدائه، وتوقعنا له مستقبلًا متميزًا، وفعلًا حدث ذلك وأصبح نجمًا كبيرًا.

تخطيت عقبات الوصول إلى مسرح الطليعة في هذا الأسبوع، وحضرت مسرحية من فصل واحد، مدتها 90 دقيقة، بدأت في الميعاد بدقة، والمسرحية اسمها «باب عشق»، من تأليف الأستاذ إبراهيم الحسينى، وقد سبق أن فاز هذا النص المكتوب ببراعة بجائزة ساويرس الثقافية للمسرح.

المسرحية رائعة، وتعتمد على نص مبدع وفكرة عظيمة عن ملك إحدى الممالك في عصر العباسيين في منطقة ما بين النهرين، وله بنت واحدة، سوف ترث العرش بعده، وترفض الزواج إلا من شاعر مبدع، ويظهر شاعر عظيم، ويحاول البعض سرقة قصيدته لينسبوها إلى أنفسهم ويتزوجوا الأميرة. ينتهى الأمر بقتل الشاعر وقتل مَن سرق القصيدة، وتدور في القصر دسائس بين الوزير وكبار رجال الحاشية مثل كل القصور الملكية.

المسرحية متميزة، ولكنها تحمل بين جنباتها عمقًا شديدًا عن العلاقات الإنسانية ومأساة الديكتاتورية وعنف السياف، الذي يطيح برأس مَن ليس على هوى الملك وابنته.

أحداث المسرحية تدور في ظل موسيقى جميلة من تأليف محمد حسنى، وأشعار خفيفة رائعة مناسبة لجو المسرحية، وتتماشى مع النص، من تأليف درويش الأسيوطى. العمل من إخراج المخرج الكبير حسن الوزير وإدارة الأستاذ عادل حسان للمسرح. الرقصات المختلفة كانت لطيفة وبسيطة، ولم تُشعرك أنها مملة أو أُدخلت على النص بطريقة مصطنعة. الديكور كان بسيطًا ومناسبًا للعمل. المغنيتان والراقصة قمن بتأدية أدوار جيدة.

أعلم جيدًا أن إمكانيات المسرح محدودة، ولكنهم صنعوا منها مسرحية جيدة. أنا حزين لما آل إليه المسرح المصرى، الذي له تاريخ يبدأ من القرن التاسع عشر بنجاح كبير. وفى بدايات القرن العشرين كان نجاح المسرح التجارى في مصر مبهرًا، وفى معظمه كان عن مسرحيات مترجمة تم تمصيرها. وخلال الحرب العالمية ثم ثورة 1919 انتعش المسرح المصرى انتعاشًا كبيرًا، وأبدعت أعداد كبيرة من الممثلين، على رأسهم نجيب الريحانى، الذي قدم أعمالًا عظيمة، منها مسرحيات وطنية، واستمر المسرح المصرى في روض الفرج بالعديد من الفرق، ثم في شارع عماد الدين في وسط القاهرة، وأنشأ طلعت حرب استوديو مصر وشركة مصر للتمثيل والسينما عام 1927، وأنشأت مجموعة من الممثلين جماعة أنصار التمثيل، واستمر النشاط المسرحى حتى عام 1952.

وعندما قام عبدالناصر بتأميم جميع النشاطات السياسية والاجتماعية والفنية، أنشأ عددًا كبيرًا من المسارح كانت تعمل بكثافة في هذه الفترة، وشهدت سوق المسرح المصرى زخمًا شديدًا في هذه الفترة، وكان عدد كبير من المسرحيات تُقدم لكُتاب مسرحيين متميزين، مثل نعمان عاشور ومحمود دياب ويوسف إدريس وميخائيل رومان وعبدالرحمن الشرقاوى وصلاح عبدالصبور ورشاد رشدى وألفريد فرج وسعد الدين وهبة، وقد قُدمت أعمالهم بنجاح شديد على خشبة المسرح المصرى، وذلك بالإضافة إلى المسارح التي قدمت أعمالًا مترجمة، وفى نهاية الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وما بعدها ظهر المسرح الخاص، وتألفت شركات، وأبدع على سالم بمسرحيات كوميدية ذات مواقف هزلية ناقدة للمجتمع، وظهرت فرقة الفنانين المتحدين لصاحبها سمير خفاجى، والتى قدمت مسرحًا تجاريًّا ناجحًا، وظهر النجم الكبير عادل إمام، الذي أبدع على المسرح الخاص بمسرحيات استمرت الواحدة عدة سنوات على خشبة المسرح بنجاح ساحق، وأصبحت إفيهات هذه المسرحيات كلمات شعبية يعرفها كل المصريين، وانتشرت في العالم العربى، وكانت هذه المسرحيات من عوامل الجذب السياحى في مصر. وفى أوائل هذه الفترة ظهر فؤاد المهندس وشويكار بمسرحهما الناجح شعبيًّا وجماهيريًّا، حيث حقق نجاحًا باهرًا وكذلك كان مسرح محمد صبحى ناجحًا في «انتهى الدرس يا غبى» و«بالعربى الفصيح» و«الجوكر». وقدم مسرح الدولة في هذه الفترة عددًا من المسرحيات الناجحة، منها «أهلًا يا بكوات»، و«قهوة سادة». وهذه أمثلة فقط.

المسرح المصرى الآن في حالة يُرثى لها. المسرح القومى مغلق منذ فترة بدون مسرحيات جديدة. مسارح الدولة في معظمها لا تنتج شيئًا. قد يدّعِى البعض أن ضعف الموارد هو السبب، وقد يكون ذلك صحيحًا.

من الواجب اهتمام وزارة الثقافة بالمسرح المصرى الذي له تاريخ عظيم.

الشعب المصرى متعطش لفن راقٍ يُمتعه ويُخرجه من حالته الحالية. إعطاء الفرصة لأن يقوم الموهوبون الحقيقيون بتقديم أعمالهم وظهور مبدعين جدد شىء مهم جدًّا.

وأخيرًا شكرًا لمسرح الطليعة وفنانيه الأبطال، الذين يعملون بأقل الإمكانيات في ظروف صعبة، واستطاعوا إنتاج عمل متميز.

قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك.

 

Rochen Web Hosting