رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

لماذا يكرهون هذا الرجل؟

قسم : مقالات
الجمعة, 22 أكتوبر 2021 10:50

وقف رجلٌ ذاتَ نهار يحملُ فى يده مصباحًا، لكى يُنير الطريقَ لمَن ضلّوا، وفى اليد الأخرى يحملُ مرآةً هائلة. راح يُوجّه صفحةَ المرآة العاكسة صوب وجوه الأدعياء المُضلّين الذين يخدعون الناسَ بترويج الأكاذيب. كان يعرف أن المرآة سوف تعكس قبحَ أرواحهم، فإن شاهدوا دمامتَهم، انفجروا، أو اِرعووا عن غِيّهم. هذا الرجل موجودٌ فى كل عصرٍ، ومنتشرٌ فى كل بقعة من بقاع الدنيا. تمنحه السماءُ لأهل الأرض فى كل حين حتى يُنقذ البسطاءَ من تغوُّل الزائفين الكاذبين الذين يعملون على تجهيل الناس، حتى يقتاتوا على غفلة الغافلين ويرتزقوا من تغييبهم.

 

ما شكلُ هذا الرجل، كيف يتكلم وما لسانُه؟ له أشكال عديدة، وله ألسنٌ كثيرة، وملامحُ مختلفة، ويرتدى فى كل زمن ملابسَ تشبه ذلك الزمان، وفى كل أرض ثيابًا تناسب تلك الأرض.

ما اسمُ هذا الرجل؟ له أسماءٌ لا حصر لها. فتارةً اسمه «الوليد ابن رشد»، وتارة اسمه «جاليليو»، وتارة اسمُه «الحلاج»، وتارةً اسمه «ڤولتير»، وتارةً اسمه «جابر بن حيّان»، وتارة اسمه «ابن الهيثم»، وتارة اسمه «أبوبكر الرازى»، وتارة اسمه «أبونصر الفارابي»، وتارة اسمه «ابن سينا»، وتارة اسمه «نصر حامد أبوزيد»، وتارة اسمه «ديڤيد هيوم»، وتارةً اسمه «الكِندى»، وتارةً اسمه «بروتاجوراس»، وتارةً اسمه «ابن عربى»، وتارة اسمه «السهروردى»، وتارةً اسمه «محمد عبده»، وتارة اسمه «ملك سيام»، وتارةً اسمه «جمال الدين الأفغانى»، وتارةً اسمه «فرنسيس بيكون»، وتارة اسمه «أبوبكر الرازى»، وتارةً اسمه «جبران»، وتارة اسمه «فرج فودة»، وتارةً اسمه «أحمد عبده ماهر»، وتارةً اسمه «برتراند راسل»، وتارة اسمه «مارتن لوثر»، وتارةً اسمه «الخوارزمى»، وتارةً اسمه «طه حسين»، وتارةً «جلال الدين الرومى»، وتارةً اسمه «سبينوزا»، وتارةً اسمه «شمس الدين التبريزى»، وتارةً اسمه «چون لوك»، وتارةً اسمه «كوبرنيكوس»، وتارةً اسمه «ديكارت»، وتارة اسمه «ابن الفارض»، وتارةً اسمه «مهاتير محمد»، وغيرها من أسماء التى لا حصر لها، حملها هذا الرجلُ المهدورُ دمُه فى كل تاريخ وجغرافيا.

هذا الرجلُ خصيمُ الجهل، خصيمُ التجارة الكذوب، خصيمُ الارتزاق باسم السماء. لهذا اختصمه كلُّ زائف، وكرهه كلُّ جهول، ومَقَتَه كلُّ متاجر باسم الله، وبغضه كل من يرتزق على الغافلين. اجتمعت عُصبةُ الشر فى كهفهم المعتم يتآمرون ضده لأنه العدو الذميم والخطر المقيم.

هو لم يقاتلهم، فهو لا يعرفُ القتال. ولم يُشهِر فى وجوههم سيفًا، فهو لا يحمل سيفًا ولا خنجرًا. كل ما لديه مصباحٌ صغير غزيرُ الضياء، يحمله فى يمناه، أشهره أمام عيونِهم. فآلمتهم عيونُهم، وأوجعتهم عقولُهم. ذاك أن «عقل المتعصّب مثل حدقةِ العين، كلما زاد الضوءُ المسلّط عليه، زاد انكماشُه، وضيقُه»، كما قال أوليفر هولمز.

أعشى عيونََهم وهجُ المصباح، فوضعوا أكفَّهم فوق مآقيهم ليحجبوا الضوء. وما إن رفعوا الأكفَّ عن العيون حتى وجدوا صفحة المرآة العاكسة فى يد الرجل مصوبةً نحو أبصارهم. شاهدوا قبحهم فجفلوا وارتعبوا. هاجوا وماجوا وضجّوا وصخبوا وأرغوا وأزبدوا. هددوا وتوعدوا، ثم أشهروا السيوفَ.

ما كان الرجلُ الأعزل ذو البصر والبصيرة والعقل النيّر يحتاجُ أكثر من طعنة صغيرة فى القلب حتى يسقط مضرجًا فى دمائه ليُريح ويستريح. لكن الغلاظ لم يرضوا بغير أن يذيقوه من العذاب بقدر ما أذاقهم من التنوير. فراحوا يمزقون ملابسه ويجلدونه، وراحوا يضربونه فوق رأسه بالكتب التى كتبها حتى فقد البصر، وراحوا يصلبونه على عمود خشبى، وراحوا يقطّعون أطرافه، وراحوا يحرقونه، وراحوا يسملون عينيه، وراحوا يضربونه بالرصاص، وراحوا يشنقونه، وراحوا ينشرونه بالمناشير، واستخدموا من كل عصر ما أتاحت لهم صنوفُ العذاب والويل والتنكيل والإهانة.

مات الرجلُ ألف مرةٍ ومرة. وفى كل مرّة كان لسانُه يلهج بآخر ما جادت به الكلمات: «يا ربُّ جوهرُ علمٍ لو أبوحُ به/ لقيل لى: أنتَ ممن يعبد الوثنَا/ ولاستحلًّ رجالٌ مسلمون دمى/ يرون أقبحَ ما يأتونه حسنًا».

جميعُنا ساهمنا فى قتل ذلك الرجل حامل المشعل والمرآة، لأنه أشهرَ فى وجوهنا مرآته ونحن لا نريد أن نرى قبحنا ودمامتنا. قتلناه وهو يردد بلسان الأفغانى: «ملعونٌ فى دين الرحمن: مَن يخنق فكرًا، مَن يرفع سوطًا، مَن يُسكِت رأيًا، من يبنى سجنًا، من يرفع راياتِ الطغيانْ. ملعونٌ فى كلِّ الأديانْ: مَن يهدرُ حقَّ الإنسانْ، حتى لو صلَّى أو زكّى وعاش العمرَ مع القرآنْ». «الدينُ لله والوطنُ لحملة مشاعل الوطن».

twitter:@fatimaNaoot

 

Rochen Web Hosting