رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

سر «عزة فهمى»

قسم : مقالات
الجمعة, 22 أكتوبر 2021 10:48

الأسبوع الماضى، كان الاحتفال بصدور كتاب «أحلام لا تنتهى»، السيرة الذاتية للفنانة «عزة فهمى»، مصممة وصانعة الحلى الأشهر فى مصر والوطن العربى. وقد حضر الاحتفال كوكبة من أصدقائها والمعجبين بفنها فى «متحف المركبات الملكية» بمنطقة بولاق (قرب وزارة الخارجية) والمقام عام ١٨٦٣ فى حكم الخديو إسماعيل، وقد جرى تجديده تجديدا شاملا وإعادة افتتاحه العام الماضى.

 

سعدت بحضور الاحتفال وإدارة الندوة التى تخللته، وقد تحدث فيها - بالإضافة إلى الكاتبة - الأستاذ «محمد رشاد» ناشر الكتاب وصاحب «الدار المصرية اللبنانية» ورئيس اتحاد الناشرين العرب، والدكتور «محمد أبوالغار» الطبيب والكاتب والسياسى والصديق العزيز، والدكتورة «بهية شهاب» المؤرخة وأستاذة التصميم بالجامعة الأمريكية، والأستاذة «ياسمين ضرغامى» الباحثة فى التاريخ الاجتماعى ومؤسسة ورئيسة تحرير مجلة «راوى».

تحدثت «عزة» بحماسها المعهود - وإن كان باقتضاب - عن تجربتها ومشوارها الإنسانى والمهنى، وعلق أعضاء المنصة على الكتاب والكاتبة، وشارك عدد من الحاضرين فى إثراء أمسية تميزت بالدفء والمودة والاعتزاز بصاحبة الكتاب، والسعادة بالتواجد فى هذه المناسبة الجامعة.

خلال الندوة، أخذت أفكر فى سر النجاح الذى حققته «عزة فهمى»، وفيما مكنها من التفوق فى مجالها، والانتقال من التصميم والإنتاج المحلى لتصبح واحدا من الأسماء التجارية المصرية القليلة (إن لم يكن الاسم الوحيد) المنتشر فى المحيط العربى، والقادر على اقتحام المجال العالمى.

قد يكون سر هذا النجاح فطرتها الفنية وإحساسها العميق بجمال ودقة التراث الشعبى الذى درسته بعناية واستوعبت مفرداته، ثم أخذت تطوعه ليناسب متطلبات العصر، وقد يكون قدرتها على رصد وتسجيل ثم استدعاء مخزون هائل من المشاهد والتفاصيل التى يمر عليها الآخرون مرور الكرام. ولا شك أن قوة شخصيتها وعزيمتها ساعدتاها على تجاوز المحن والمصاعب التى اعترضت طريقها فلم تستسلم لها بل حولتها إلى وقود منحها المزيد من الطاقة والإصرار على العمل. ولعل حسن الحظ وضع فى طريقها أصدقاء مخلصين ومساندين لتجربتها ومسيرتها، وقد اعترفت فى كتابها بفضلهم عليها.

ولكن ما سبق لا يكفى لتفسير ظاهرة «عزة فهمى». وهنا تأتى أهمية كتاب «أحلام لا تنتهى» لأنه يجعلنا نتعرف على عمق تجربة «عزة» الشخصية والمهنية وتأثيرها على عملها وإبداعها.

المولد لأب مثقف ومستنير من أصل مصرى- سودانى، وأم ذات أصول تركية، والطفولة السعيدة والرغدة فى سوهاج، والتعرف على عادات وتقاليد أهل الصعيد، والتردد على الإسكندرية صيفا، ثم وفاة الأب ونزوح العائلة لمعيشة أكثر تواضعا فى حلوان، ثم الدراسة فى كلية الفنون الجميلة مع كبار الفنانين، والعمل الحكومى لفترة وجيزة فى هيئة الاستعلامات، ثم قضاء أعوام طويلة فى ورش وأزقة وأسواق خان الخليلى «والصاغة» والتعلم من «الأسطوات» الكبار وتشرب أصول الصنعة منهم، ثم اقتحام المجال التجارى وخوض بحوره العاتية والصراع للبقاء والاستمرار والنهوض من كبوات متتالية، كل هذا بجانب الانشغال بالأمومة مع «فاطمة» و«أمينة» - اللتين صارتا صديقتين ثم شريكتين فى الكفاح والنجاح - وأخيرًا المنافسة مع أكبر الأسماء و«الماركات» فى الأسواق العربية، ثم على ملاعب المحترفين العالمية.

هذه التجارب العميقة والمحطات المتنوعة جعلت إنتاج «عزة فهمى» نابعا من الواقع ومستندا لتجارب حقيقية ومشاعر صادقة لا يملكها ولا يدركها من يكتفون بالمطالعة النظرية والتقليد لما هو رائج واستخدام المفردات الفنية الشعبية دون إحساس بقيمتها الاجتماعية ومكانتها فى وجدان الناس.

لهذا انتهيت، بعد تفكير، إلى أن سر نجاح عزة فهمى«هو عدم وجود أسرار»، بل إنه نتيجة تجربة إنسانية ثرية، وفضول مستمر، ومثابرة فى العمل، وإصرار على تجاوز العقبات والتحديات، وحب عميق لمصر وأهلها وتراثها، وفهم عصرى للصنعة وللأسواق الحديثة.

تحية لفنانة مصرية أصيلة رفعت اسم إنتاجنا الوطنى عاليًا، وحفظت تراثنا من الضياع، وتصدرت تجربتها البرامج السياحية العالمية.. وتسعى اليوم لنقل خبراتها لجيل جديد كى يتعلم منها ويستفيد ويحقق أحلامه كما تعلمت وحققت أحلامها التى أرجو ألا تنتهى أبدًا.

 

Rochen Web Hosting